النيل والفرات:
يجهد ابن المقفع في مقدمته لكتاب كليلة ودمنة إلى إظهار مقاصد هذا الكتاب، كما يلح على القارئ أن يغوص فيه لاستكشاف أسرار وجواهر معانيه المستترة خلف خيالات الحيوانات وحكاياتها. "فهو كتاب ينبغي للناظر فيه ألا تكون غايته التصفح لتزاويقه (الحكايات على ألسنة الحيوانات) بل يشرف على ما يتضمن من الأمثال، حتى ينتهي منه ويقف عند كل مثل وكلمة، ويعمل فيه رويته (...) فإن قارئه متى له يفعل ذلك لم يدر ما أريد بتلك المعاني ولا أي ثمرة يجنى منها".
ولأن ابن المقفع يعطي معاني الكتاب هذا القدر من الأهمية، يعود ليؤكد في أكثر من مكان في مقدمته "على قارئ هذا الكتاب أن يديم النظر فيه من غير ضجة ويلتمس جواهر معانيه، ولا يظن أن نتيجته الإخبار عن حيلة بهيمتين أو محاورة سبع لثور، فينصرف بذلك عن الغرض المقصود". في كلام ابن المقفع هذا، استشعار مبكر لخطرين متلازمين بإشكالية واضحة.
خطر الضجر من إدامة النظر في جواهر المعاني. وخطر أن تصرف الحكاية، القارئ عن الغرض المقصود وهو جوهر المعاني.
انطلاقاً من هذا الاستشعار المبكر عند ابن المقفع وخوفه من ضياع المعاني في تزاويق الحكاية، كان هذا الكتاب بصيغته ومنهجيته الجديدة التي بين أيدينا، والتي لم تأت إلا انسجاماً وتلبية لنداء ابن المقفع الذي يؤكد فيه على أن: "العاقل إذاً فهم الكتاب وبلغ نهاية عمله فيه، ينبغي له أن يعمل بما علم منه لينتفع به".
وما العمل الذي يقصده ابن المقفع إلا أعمال الفكر ومن ثم إيصال الرسالة والانتفاع بها كأفراد وجماعات على مر الزمن. هذا الانتفاع لن يتم إلا بإدراك: أولاً: العلاقة الطردية بين القارئ والعصر، فالزمن الذي يعيش فيه قارئ اليوم، هو زمن يتسم بالتعقيد وسرعة التغير وكثرة المؤثرات. ثانياً: إن ما يتضمن عليه كتاب كليلة ودمنة من استطرادات هائلة التشعب، من الحكم والأمثال والأحداث والأمكنة والشخصيات من إنسان وحيوان وطير، لن يدع لقارئ هذا العصر مجالاً "أن يقف عند كل مثل وكلمة ويعمل فيها رؤيته" ويحقق بالتالي غاية ابن المقفع.
لذلك وحتى يتم الانتفاع بالكتاب، كانت هذه المنهجية الجديدة القائمة على تفكيك المحتوى إلى عناصره الأولى (الحكم والأمثال والحكايات والمطارحات الفكرية والفلسفية) ومن ثم تصنيف وتبويب هذه العناصر في وحدات متجانسة مستقلة واضحة المقاصد، ليسهل تناولها والاستفادة منها. وقد كان لكتاب "جذور الميكافلية في كلية ودمنة" الأثر الطيب في الإضاءة لهذا التبويب والتصنيف وتحديداً في باب عصارة الحكم والأمثال. وعليه...
ثالثاً: سوف يكون لدينا مجلداً يحتوي على الحكم والأمثال والمطارحات الفكرية والفلسفية (مصنفة ومبوبة) دون الحكايات. وهو المجلد الذي بين أيدينا. وبذلك سوف "يختاره الحكماء لحكمته" دون خوف من أن "تصرفهم تزاويق الحكاية عن الغرض المقصود وهو جوهر المعاني". رابعاً: لقد تم إغناء هذه المعاني بقيمة مضافة، يقصد بذلك لوحات الخط العربي، والزخارف الإسلامية المنثورة في مداخل الأبواب وثنايا الكتاب والتي تعبّر عن روحية النصوص المدرجة.
يجهد ابن المقفع في مقدمته لكتاب كليلة ودمنة إلى إظهار مقاصد هذا الكتاب، كما يلح على القارئ أن يغوص فيه لاستكشاف أسرار وجواهر معانيه المستترة خلف خيالات الحيوانات وحكاياتها. "فهو كتاب ينبغي للناظر فيه ألا تكون غايته التصفح لتزاويقه (الحكايات على ألسنة الحيوانات) بل يشرف على ما يتضمن من الأمثال، حتى ينتهي منه ويقف عند كل مثل وكلمة، ويعمل فيه رويته (...) فإن قارئه متى له يفعل ذلك لم يدر ما أريد بتلك المعاني ولا أي ثمرة يجنى منها".
ولأن ابن المقفع يعطي معاني الكتاب هذا القدر من الأهمية، يعود ليؤكد في أكثر من مكان في مقدمته "على قارئ هذا الكتاب أن يديم النظر فيه من غير ضجة ويلتمس جواهر معانيه، ولا يظن أن نتيجته الإخبار عن حيلة بهيمتين أو محاورة سبع لثور، فينصرف بذلك عن الغرض المقصود". في كلام ابن المقفع هذا، استشعار مبكر لخطرين متلازمين بإشكالية واضحة.
خطر الضجر من إدامة النظر في جواهر المعاني. وخطر أن تصرف الحكاية، القارئ عن الغرض المقصود وهو جوهر المعاني.
انطلاقاً من هذا الاستشعار المبكر عند ابن المقفع وخوفه من ضياع المعاني في تزاويق الحكاية، كان هذا الكتاب بصيغته ومنهجيته الجديدة التي بين أيدينا، والتي لم تأت إلا انسجاماً وتلبية لنداء ابن المقفع الذي يؤكد فيه على أن: "العاقل إذاً فهم الكتاب وبلغ نهاية عمله فيه، ينبغي له أن يعمل بما علم منه لينتفع به".
وما العمل الذي يقصده ابن المقفع إلا أعمال الفكر ومن ثم إيصال الرسالة والانتفاع بها كأفراد وجماعات على مر الزمن. هذا الانتفاع لن يتم إلا بإدراك: أولاً: العلاقة الطردية بين القارئ والعصر، فالزمن الذي يعيش فيه قارئ اليوم، هو زمن يتسم بالتعقيد وسرعة التغير وكثرة المؤثرات. ثانياً: إن ما يتضمن عليه كتاب كليلة ودمنة من استطرادات هائلة التشعب، من الحكم والأمثال والأحداث والأمكنة والشخصيات من إنسان وحيوان وطير، لن يدع لقارئ هذا العصر مجالاً "أن يقف عند كل مثل وكلمة ويعمل فيها رؤيته" ويحقق بالتالي غاية ابن المقفع.
لذلك وحتى يتم الانتفاع بالكتاب، كانت هذه المنهجية الجديدة القائمة على تفكيك المحتوى إلى عناصره الأولى (الحكم والأمثال والحكايات والمطارحات الفكرية والفلسفية) ومن ثم تصنيف وتبويب هذه العناصر في وحدات متجانسة مستقلة واضحة المقاصد، ليسهل تناولها والاستفادة منها. وقد كان لكتاب "جذور الميكافلية في كلية ودمنة" الأثر الطيب في الإضاءة لهذا التبويب والتصنيف وتحديداً في باب عصارة الحكم والأمثال. وعليه...
ثالثاً: سوف يكون لدينا مجلداً يحتوي على الحكم والأمثال والمطارحات الفكرية والفلسفية (مصنفة ومبوبة) دون الحكايات. وهو المجلد الذي بين أيدينا. وبذلك سوف "يختاره الحكماء لحكمته" دون خوف من أن "تصرفهم تزاويق الحكاية عن الغرض المقصود وهو جوهر المعاني". رابعاً: لقد تم إغناء هذه المعاني بقيمة مضافة، يقصد بذلك لوحات الخط العربي، والزخارف الإسلامية المنثورة في مداخل الأبواب وثنايا الكتاب والتي تعبّر عن روحية النصوص المدرجة.